مقالات مختارة

إيران: أتقنت اللعبة

مزهر جبر الساعدي \ القدس العربي 

البعض من التحليلات السياسية يذهب، أو خلاصة ما يذهب إليه؛ أن الغرب بقيادة أمريكا، أو الكيان الإسرائيلي وأمريكا، أو الكيان الإسرائيلي منفردا، وبموافقة أمريكية؛ سوف يقومون بشن حرب على إيران، وهذه الحرب سوف تؤثر في دول الخليج العربي، في حالة انسداد آفاق الاتفاق، أو عدم الوصول إلى اتفاق تجري بموجبه العودة إلى الصفقة النووية بين إيران والقوى العظمى هذا من جانب، ومن الجانب الثاني، تؤكد أن البرنامج النووي الإيراني حتى لو وصل، أو استطاعت إيران صناعة السلاح النووي، فإن هذا لا يؤثر وجوديا في الغرب بقيادة أمريكا، لأن هناك دولا كثيرة، تمتلك، ومنذ سنوات السلاح النووي، ولم تؤثر وجوديا في الغرب وأمريكا، وهم يقصدون في هذا، باكستان والهند وكوريا الشمالية.
الحقيقة أن باكستان والهند امتلكتا السلاح النووي خلال الحرب الباردة، كما أنهما في منطقة بعيدة، لا تشكل قلقا وجوديا على الكيان الإسرائيلي، أما كوريا الشمالية فهي مدعومة بقوة من الصين، إن لم أقل بحماية الصين هذا من جانب، أما من الجهة الثانية؛ فإن كوريا الشمالية استثمرت بحنكة وذكاء انشغال أمريكا بغزو العراق واحتلاله، وما تبع هذا الغزو والاحتلال، من مقاومة بطولية فريدة من عموم الشعب العراقي، بلا استثناء، أطاحت بالهيبة الأمريكية، وأضعفت إلى حد بعيد قدراتها الاقتصادية.
أعتقد أن هذه الرؤية خطأ أولا؛ لأن امتلاك السلاح ليس لغرض استخدامه، بل هو للردع، إنه قوة ردع تمنع الاعتداء والغزو والاحتلال، وليس للتهديد الوجودي، وبالتالي يمنح الدولة قوة تثبيت للسيادة والقرار المستقل، على الصعد كافة، لأن القوى العظمى، والمقصود تحديدا، أمريكا هي امبراطورية عُرف عنها، الغزو والاحتلال على مدار القرن العشرين، للدول التي تتقاطع معها مصلحيا ـ أو بالأحرى ترفض الانصياع لها ولمصالحها ـ وتذهب في الاتجاه الآخر المضاد لها؛ بنما غرينادا، العراق، أفغانستان، والقائمة تطول. ثانيا؛ خطأ، في قراءة الأوضاع في المنطقة العربية وفي جوارها. ثالثا؛ خطأ، في قراءة التحولات الكبيرة والكبيرة جدا، وهي تحولات بزاوية ميل كبيرة، سواء ما كان منها في المنطقة العربية، أو في جوارها أيضا، أو في العالم. إيران حقا لا تريد صناعة سلاح نووي في الوقت الحاضر، وإلى الأمد المنظور، لكنها في الوقت نفسه، تريد الاحتفاظ بموقعها الحالي، كدولة عتبة نووية. كتبت في عدة مقالات تم نشرها في صحيفة «القدس العربي» اللندنية، ومنذ عدة أشهر، والبعض منها نُشر في وقت قريب؛ أن إعادة العمل بالصفقة النووية سوف يتم الاتفاق عليه وبكل تأكيد، هذا أولا، وثانيا؛ لا ولم ولن تُشَن حرب ولا ضربات منتخبة، سواء بالطائرات، أو بالصواريخ على الداخل الإيراني، لا من قبل أمريكا ولا إسرائيل، لا الآن ولا في المستقبل، ليس لأن الرد الإيراني سوف يكون مدويا، ويلحق ضررا بالغا في القواعد الأمريكية على أرض الخليج العربي، وعلى الكيان الإسرائيلي، وعموم دول المنطقة العربية، ومصالح أمريكا في تلك الدول، فهذا أمر له حديث آخر. هنا علينا أن لا نغفل أو نقلل من الرد الإيراني، لكنه ليس هو المعطل للحرب عليها، أو شن ضربات منتخبة على منشأتها النووية، أو الاخرى الحيوية، بل لأن إيران حاجة استراتيجية لأمريكا، وحتى غير أمريكا.. أمريكا لا تريد أن تتحطم إيران، وتتفكك، تريد لها أن تظل دولة قوية وموحدة، وفي الوقت عينه تريد أن تسقط النظام فيها بأي ثمن، من غير أن تسمح لهيكل الدولة فيها أن يهتز، أو أن يتعرض لزلزلة؛ تقود إلى الانهيار والتفكك. أمريكا أو غيرها من الدول، إن فعلت هذا فهي ستخسر عمودا استراتيجيا في الاستراتيجية الأمريكية وغيرها، ممن يتشارك معها في هذه الاستراتيجية، وأيضا على الأمد البعيد في الخليج العربي وبحر العرب. إن جغرافية إيران، وإشرافها على ساحل الخليج العربي؛ تشكل قطب توازن في المنطقة، وأيضا قطب رعب فيها. وبحكم إلزامية الحاجة، والضرورة الواقعية الحاكمة؛ تحتفظ أمريكا بوجودها المستدام في المنطقة، طبقا لما سلف في أعلاه القول فيه. وأيضا الكيان الإسرائيلي، الذي دخل في هذه اللعبة منذ عدة سنوات؛ كعمود في حفظ الأمن في دول الخليج العربي، إلا أن هذا، لا يعني أن النظام الإيراني، لا يعادي السياسة الأمريكية والسياسة الإسرائيلية، بل إن العكس هو الصحيح؛ لأن الكيان الإسرائيلي وإيران بنظامها الحالي، في صراع على النفوذ في المنطقة العربية. هذه السيناريوهات التي جرى وتجري مسرحتها على خشبة المسرح العربي؛ تشكل وثيقة إدانة للنظام الرسمي العربي، الذي هو كما عليه حاله، في معزله البعيد عن إرادة الشعوب العربية، حرم هذه الشعوب من تفجير طاقاتها الخلاقة في البناء والدفاع عن السيادة والأمن. وهو بهذا يكون قد أذل ذاته، واُجبر على الانبطاح والانصياع للإرادة الأمريكية والإسرائيلية، طلبا للعون والدعم والمساعدة، في وقت كان له أن يكون غير ما هو كائن عليه وضعه ونظامه لو، وأكرر بألم وأسف، لو أنه مثّل تمثيلا كاملا إرادة الشعوب العربية؛ لكان أقوى بكثير من الأنظمة المحيطة به، في دول الجوار العربي. كما أن، لو كان وقد قدر لهذا الأمل أن يكون واقعيا، وما أسهل أن يكون، لو كانت النية والهدف يسيران في هذا الاتجاه من قبل النظام الرسمي العربي؛ لكانت الأوطان العربية وشعوبها، أكثر انسجما، وأكثر قوة، وأكثر تطلعا بثبات نحو المستقبل، بدلا من هذا الوضع المزري الذي يثير الوجع والألم في النفوس.

نعود إلى إيران وأمريكا و(إسرائيل)؛ تحاول الولايات المتحدة و(إسرائيل) تطويق النفوذ الايراني في المنطقة، وحصرها في زوايا ميتة، من دون القضاء عليها، بصورة كاملة، قبل أن يتم لها، أو لهما ونقصد هنا امريكا و(إسرائيل)؛ الانتهاء من خطة الرسم النهائي لدول المنطقة العربية، وهذه الخطة حتى الآن، تسير على طريق فيه، الكثير من المعرقلات (المقاومة للمشاريع الأمريكية الإسرائيلية) لذا نلاحظها تتوقف هنا مرة وتتوقف هناك مرات، يتوقف الحديث عنها مرات، وتتسرب إلى الإعلام بقصدية؛ البعض من آلياتها ومنصاتها مرة هنا، ومرات هناك، لكنها مستمرة في سيرها على مختلف المسارات، التي وإن ظهرت متباعدة، إنما هي في خطواتها متوازية. عليه فإن الصفقة سوف يعاد العمل بها وبكل تأكيد. لكن، في المقابل سوف تتمكن الشعوب العربية ذات يوم نتمنى أن لا يكون بعيدا، واعتقد أنه قريب؛ من قلب الطاولة على أمريكا و(إسرائيل) وعلى جميع اللاعبين بالوكالة عنهما.. أما إيران فإنها تلعب مع امريكا بحنكة وذكاء عملي ومرونة براغماتية، فقد أتقنت اللعبة. كما أنها تعلم تماما أن أمريكا وإسرائيل؛ لا تُقدمان على تنفيذ ما تهددان به إيران.