إضاءات

العمارة العُمانية.. تاريخ وحضارة تتواصلان في البناء المعاصر

الهندسة المعمارية تلتقي فيها العلوم بالفنون منذ قديم الزمان حيث تراعي البنايات الظروف البيئية والمناخية بالإضافة إلى الهوية الحضارية، ففي سلطنة عمان نجد البنايات تعكس العقيدة الإسلامية وتواصل العمارة الحديثة في السلطنة الهندسة المعمارية العربية حتى في البنايات المعاصرة.

مسقط ـ لطالما كانت قصة الإنسان العماني ومحاولته للتأقلم مع التنوع البيئي في أرضه مصدر إلهام للباحثين في مجال العمارة، إذ تعد من الانعكاسات الواضحة على تفاعل الإنسان مع الطبيعة، وتصنف العمارة كأهم مرتكزات الحضارة العمانية التي تتميز بتنوعها من قلاع وحصون كجزء من الحياة السياسية التي مارسها العماني القديم وصولا إلى حياته الدينية التي تتجلى من خلالها المساجد والمآذن والمنابر، وتظهر فنون العمارة جلية في البيوت والأسواق العمانية.

وحول تأثير الإرث والثقافة العمانية على العمارة يقول هيثم بن نجيب العبري باحث معماري “إن علاقة الإنسان العماني بالمكان الذي يختاره للتعمير والاستقرار كانت ولا تزال تتميز برابطة خاصة تتلخص في احترامه لطبيعة الموارد المتوفرة لتأسيس حياة تكفل له الاستقرار والعيش الكريم”.

ويضيف “إن المورد الأساسي الذي يحدد موقع استقرار الإنسان كان الماء وبحسب وفرته تتحدد نسبة البناء والمساحة الزراعية، وكذلك بحسب طوبوغرافية الموقع وبناء على توفر الموارد الطبيعية المحيطة تتحدد طريقة البناء والنمط المعماري. ولقد تميز العماني بقدرته على التكيف والتعمير بأنماط معمارية مميزة لكل منطقة. وهذه الثقافة نابعة من العبقرية العُمانية في التعمير التي كان جوهرها البساطة واحترام قدسية الموارد الطبيعية وتعايشه المبني على التكافل مع الآخر في نسيج اجتماعي مترابط”.

ويقترب العبري من المدى الذي حققته الأنماط المعمارية الحالية ويقول “العمارة الحالية خضعت للتدرج في البناء والتعمير مع الحفاظ على استمرار العمارة العمانية بطابع معاصر يتناسب في توظيفه مع نوع ومكان المشروع.

والزائر لسلطنة عُمان حتى يومنا هذا يثني دائما على حفاظ السلطنة على هويتها المعمارية التي أصبحت تعكس الإرث والثقافة العمانية”.

وتقول نعيمة بنت أحمد بن قاري أستاذ مساعد في قسم الهندسة المدنية والمعمارية بجامعة السلطان قابوس “عندما نتأمل في ما تبقى بين المستوطنات العُمانية من العصور القديمة نلاحظ وجود خطوط وصفات متواصلة عبر الزمن تجري بين هذه المنشآت وإن كانت متباعدة تاريخيا وحضاريا وتُعد العمارة العُمانية التقليدية نتاجا لتطور تلك المباني القديمة التي شكلتها مؤثرات اجتماعية ثقافية اقتصادية وطبيعية”.

وتضيف “تمتد عمارة عُمان المحلية إلى الألف الثالث قبل الميلاد حيث كشفت الحفريات في رأس الحد إلى مستوطنات تذهب عمارتها وتقسيماتها إلى حد بعيد لمباني الحارات العمانية التي نجدها اليوم”.

وأوضحت أن المقابر مخروطية الشكل تعد من أقدم الآثار العمانية المسجلة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، وتعد أحد أنماط العمارة العمانية القديمة أيضا.

وفي ما يتعلق بارتباط الموروث الديني بالعمارة العمانية قالت “يُعتقد أن المؤثر الديني كان من أكبر المؤثرات على العمارة العُمانية التي مازالت نشهدها اليوم، فعمارة عُمان المحلية نجدها متشبعة بمقومات العمارة الإسلامية التي تم تحويرها حسب الاحتياجات المحلية فنتج عن ذلك طابع إسلامي محلي عُماني بذاته يتميز ببساطة مفرداته ووضوح لغته الفنية، والاقتصاد في المواد، والمساحات المخصصة للأنشطة واستعمال المواد المحلية من الطين والحجر والصاروج والخشب وسعف النخيل وغيرها من المواد التي ساهمت في نحت شكل العمارة العمانية”.

وأكدت أن الاحتكاك بالشعوب والثقافات المجاورة القريبة منها مثل اليمن والفرس والعراق والبعيدة مثل الهند والصين وأفريقيا الشرقية عن طريق التجارة ساهم في دخول بعض الممارسات وأشكال المفردات المعمارية والنقوش التي أضافت بعدا آخر للعمارة العُمانية المحلية ولعل أهم شكل وأكثره شيوعا هو الشكل الدفاعي من حصون وقلاع وأبراج وقصور وبيوت محصنة.

ويرجع ظهور هذا النوع من العمارة إلى موقع عمان الاستراتيجي الذي جعل من المنطقة الساحلية والمنطقة الداخلية ساحة صراعات داخلية وخارجية كان النتاج المنطقي منها تطور العمارة الدفاعية بأشكالها ومكوناتها ومفرداتها المعمارية العمانية المختلفة بل وأثر هذا النمط المعماري على العمارة المدنية مثل البيوت والمنازل والمساجد وغيرها.

وقالت إن تفاعل المعماري العماني تفاعلا إيجابيا مع التيارات الفنية والتقنية الخارجية ساعده على ترسيخ العمارة العمانية المحلية وتطويرها وهذا ما حصل على سبيل المثال في تطور القلاع مثل قلعة بهلا التي صُممت لكي تكون قادرة على صد طلقات المدافع وكذلك الحال مع قلعة نزوى وقصر جبرين، ذلك أن التأثير التقني الذي جلبه البرتغاليون ساعد على تطوير هذا النمط من القلاع، وهذا ما كوّن لدى المبدع العُماني ثقافة معمارية وقدرات إبداعية قادرة على التطور ومواكبة الاحتياجات.

وأشارت إلى أنه رغم انفتاح المعماريين العُمانيين المعاصرين على التقنيات والمدارس المعمارية الحداثية وما بعد الحداثية إلا أن الارتباط بالمقومات الفنية والثقافية مازال يُسهم في إنتاج طرز معمارية عُمانية مبتكرة لكنها تعكس في طياتها جزءا من التاريخ والثقافة.

 

ولعل مبان مثل الأوبرا والمتحف الوطني والجامع الأكبر وحصن الشموخ ومبنى عمان في معرض إكسبو دبي من أكثر الأمثلة القائمة التي يمكن أن يستشهد بها على التواصل بين العمارة الحالية في عُمان ومقومات الهوية العمانية الأصيلة.

وقالت ليلى بنت محمد الناصرية اختصاصية عمارة عن مميزات العمارة العمانية “الموروث العماني غني ومتنوع بسبب تنوع الخلفيات الثقافية والاجتماعية لمن سكنوا عمان في الماضي والحاضر، بالإضافة إلى الانفتاح التجاري قديما مما أسهم في تشكيل موروث لا مثيل له في المنطقة”.

وأضافت أن هذا التنوع انعكس بشكل كبير على الأنماط المعمارية في المناطق المختلفة في عُمان رغم اختلاف المرجعيات الثقافية لقاطنيها، ومما يميز العمارة في عمان بشكل عام؛ البساطة في المظهر التي تلبي الاحتياجات والممارسات اليومية والمراعية للطبيعة الجغرافية والبيئية العمانية، وهذا انعكاس مباشر للعماني في مظهره وأخلاقه وتعاملاته.

وقالت الناصرية إنه في فترة السبعينات والثمانينات تأثرت العمارة في عُمان بالانفتاح على الثقافة الغربية بما يسمى بالنمط العالمي أو النمط الحديث وفي مرحلة لاحقة كانت هناك محاولات لدمجها بالعمارة المحلية لينتج نموذج محلي لنمط ما بعد الحداثة بالخصوص في مسقط.

وتلتها فترة إثراء في العناصر المعمارية والمباني الأيقونية من بينها العمارة الدينية وبعض المباني العامة فكانت ثرية بالتفاصيل المعمارية والمنفذة بإتقان والتي دمجت بين العمل اليدوي للحرفيين واستخدام التكنولوجيا وطرق البناء الحديثة.