مقالات مختارة

حكومة السوداني: اختبار صعب في ظروف مؤاتية

 

مزهر جبر الساعدي \ القدس العربي

في المؤتمر الصحافي بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ورئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، في الزيارة التي قام بها الأخير مؤخرا إلى طهران، أشار الرئيس الإيراني، إلى أهمية رحيل الأمريكيين من العراق، وأن العراق لن يستقر بوجودهم فيه. جاء هذا التنبيه أو الإشارة لوجود الأمريكيين في وقت تؤكد فيه الحكومة العراقية، وهي ليست الأولى، بل جميع الحكومات العراقية السابقة بعد عام 2011، أن وجود الأمريكيين؛ ما هو إلا من أجل تدريب القوات العراقية والاستشارة، هذا التدريب الذي مضى عليه ما يقارب العشرين عاما، ولم ينته ولا أعتقد أنه سينتهي قريبا. أحد بنود اتفاقيتي الإطار الاستراتيجي؛ أن تلتزم الحكومة الأمريكية بالمحافظة على النظام الديمقراطي في العراق، وتدافع عنه بكل الوسائل. الأمر الذي يثير الاستغراب، هل الرئيس الإيراني، كما غيره من رؤساء إيران الذين سبقوه، لا يعرفون ببنود اتفاقيتي الإطار الاستراتيجي، وهذا أمر محال.
وهل أن الرئيس الإيراني الحالي، وغيره من رؤساء إيران؛ لا يعلمون أن القوات الأمريكية، أو للتخفيف من وطأة لفظة القوات الأمريكية وإبدالها بالوجود الأمريكي، للاستشارة والتدريب في إطار الناتو، كغطاء للوجود الأمريكي العسكري على أرض العراق.. الولايات المتحدة موجودة في العراق، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، بل حتى ثقافيا، كما أن إيران هي الأخرى لها وجود في العراق، ووجودها أكثر تأثيرا وفاعلية من الوجود الأمريكي، لجهة الحاضر والمستقبل المنظور.. كلا الدولتين عندما يحتدم الصراع بينهما، يستخدمان الورقة العراقية في اللعبة، كورقة ضغط وإشارات يتم بثها من طرفي الصراع في اتجاهات متعاكسة، يتم استلامها منهما في تزامن لحظي، محتواها أن لنا القدرة والإمكانية في التأثير في القرار العراقي، بما يخص طرفي الصراع الإيراني والأمريكي.

في الأيام الأخيرة، المسؤولون الأمريكيون أكدوا؛ أنه لا يوجد تبرير للتغيير في العراق، وأن التغيير يجب أن يكون من خلال صناديق الاقتراع، وهي محاولة للالتفاف على جوهر وأصل المشكلة الديمقراطية في العراق، التي تتركز في توزيع الحصص، بعد أي انتخابات تجري، بصرف النظر عن نتائجها، وأكبر مثال على ذلك، انتخابات عام 2010 وانتخابات عام 2021. إن الدستور العراقي هو أصل المشكلة، ففي ظل هذا الدستور؛ لا يمكن لأي انتخابات ومهما تكن نتائجها، إلا وتفضي إلى إنتاج الشخصيات ذاتها، وإن اختلفت عن تلك التي سبقتها، لكنها من الخانة ذاتها، في الرؤية والسلوك والعمل والأصل والجذر السياسي، أي أن صناديق الاقتراع لا تقود إلى التغيير الذي يرنو إليه الشعب العراقي. النظام البرلماني في العراق، ثبت فشله في إنتاج حكومة عبر صناديق الاقتراع، يترجم فيها الشعب العراقي إرادته، والبديل إما نظام رئاسي، أو نظام شبه رئاسي، وتفعيل صناديق الاقتراع ليكون لصوت الناخب العراقي فعل في إحداث التغيير المنشود في الإصلاح، وإقامة ديمقراطية حقيقية لها قوة الفعل على أرض الواقع، في تبديل حقيقي لطاقم الإدارة التنفيذية، ومنبر الرقابة والتشريع، عندما لا يلبيان طموح وإرادة الشعب العراقي، في التنمية الحقيقية المنتجة لعوامل البناء والحياة الكريمة والحرة، لحاضر مفعم بالأمل يؤسس لمستقبل واعد، يخضع الجميع فيه لحكم القانون. من الصعوبة تغيير أو تعديل بعض فقرات الدستور، لأن من كتبه جعل التغيير أو التعديل صعبا للغاية، إن لم أقل مستحيلا، والسبب يكمن في متن الدستور، أي الفقرات الأساسية والجوهرية فيه. وقد حاول الكثير من السياسيين العراقيين، منذ أكثر من عقد؛ أن تكون الأغلبية لإنتاج الحكومة، الأغلبية التي تنتجها صناديق الاقتراع، لكنهم اصطدموا بجدار الدستور، إذ، لا يمكن أن تكلف هذه الأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة، إلا بعد انتخاب الرئيس من قبل البرلمان، بأغلبية الثلثين، ما أدى بهؤلاء الساسة لأن يسدلوا الستار على محاولتهم هذه، وأن يكفوا عنها تماما، إذ لا يمكن ضمان حصول موافقة الثلثين إلا بجمع أصوات الآخرين، الذين كانت مقاعدهم التي حصلوا عليها بالانتخابات دون سقف الأغلبية بمسافة كبيرة. في حدود معلوماتي أن دول الأنظمة البرلمانية، يجري انتخاب الرئيس فيها من قبل الشعب مباشرة، ويظل هذا المنصب تشريفيا، ومهمته تنحصر في تكليف الكتلة، أو الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد بما يؤهله لتولي رئاسة الحكومة، بالإضافة إلى مهام تشريفية اخرى، لا تتعدى هذه الحدود ويظل النظام الانتخابي، نظاما برلمانيا، وليس نظاما رئاسيا، أو نظاما شبه رئاسي، من الأمثلة على هذا، ألمانيا والهند، وغيرهما الكثير من الدول الديمقراطية. الحكومة العراقية الحالية تشكلت بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، وتم بعدها التحالف بين قوى وأطراف العملية السياسية، بالاتفاق على تنظيم وتوزيع الحصص في هذه الوزارة على قاعدة النزول التخادمي، بين أطراف هذه العملية. التيار الصدري، وحسب قراءتي لمآل المشهد السياسي الحالي في العراق، من المحتمل جدا أن لا يقوم بأي فعل يربك أو يؤثر سلبا في حكومة السوداني، لأسباب لا مجال أو لا حاجة للخوض فيها، أولا لأنها معروفة لكل متابع لبيب، وثانيا، سبق وأن كتبت عنها بوضوح في مقال سابق على صفحات هذه الصحيفة الغراء. ليس هذا فقط، بل إن التيار الصدري، ربما وربما كبيرة، وحسب قراءتي للوضع العراقي؛ لن يشارك كتيار في الانتخابات المقبلة، لأسباب تتعلق بالتقليد والمرجعية الدينية في إطار الأيديولوجية الدينية التي تشكل الهادي والموجه له في هذا المجال.

تشكيل الحكومة العراقية لم يكن نصرا لإيران فحسب، بل هو أيضا حظي بمباركة ورضا أمريكي لا غبار عليه. أمريكا كانت خلال المخاض العسير تضغط في اتجاه؛ أن تظهر حكومة السوداني للوجود بسرعة؛ وتحث كل الأطراف للإسراع في الاتفاق على تشكيلها. فهل ستواجه حكومة السوداني ما واجهته حكومة عادل عبد المهدي، التي قادت في نهاية الأمر إلى إسقاطها؟ من وجهة نظري ومن خلال قراءتي للمشهد السياسي، سواء في العراق أو في دول الجوار أو في إيران أو في الساحة الدولية؛ لن تواجه ما واجهته حكومة عبد المهدي للأسباب التالية: أولا حكومة السوداني تحظى بدعم وإسناد جميع قوى الفعل السياسي في المشهد السياسي العراقي، خصوصا إذا وفت الحكومة بجميع تعهداتها أو الجزء الأكبر منها. ثانيا إنها ستقوم بالخدمات بفعل الوفرة المالية، وأيضا لاغتنام هذه الفرصة في تجميل صورتها أمام العراقيين. من الضروري القول إن الحديث هنا لا يدور حول الإصلاح ومكافحة الفساد، فهذا موضوع آخر، بل الحديث يدور حول العمل على توفير الخدمات، ولو بالحدود المقبولة التي تساهم في زراعة الأمل في نفوس الناس. ثالثا، إن هذه الحكومة ومن وجهة نظري، من المستعبد جدا أن تعمل على تفعيل الاتفاقية مع الصين، التي قادت إلى إسقاط حكومة عبد المهدي.. أو كانت أحد الأسباب التي حركت الأوضاع بقوة في وجه حكومة عبد المهدي. رابعا، إن التغييرات والتحولات في الإقليم العربي، وفي جواره وفي الساحة الدولية، لا تسمح بأي حركة تقود إلى خلخلة الأوضاع في العراق. الحديث في هذا الموضوع معقد جدا، ومتشعب لا تسمح مساحة هذا المقال الخوض فيه.. خامسا، هناك انفراج مؤدلج أمريكيا للصراعات العربية العربية، والعربية مع دول الجوار العربي، بصرف النظر عن مطالب الشعوب العربية بالحرية والديمقراطية والأمن والحياة الحرة والكريمة، وهذه الفقرة ترتبط ارتباطا عضويا بالفقرة الرابعة. سادسا، إن هذه الحكومة، كانت نتيجة تلاقي مصالح الفاعل الإقليمي والدولي في تشكيلها، كمخرج أو كعملية تفكيك للأزمة السياسية التي شهدها العراق قبل ظهورها إلى الوجود.. سابعا، إن القيادة الايرانية، ستحث أو تدفع حكومة السوداني على الانفتاح على محيطها العربي بمساحة أكبر من السابق. لأن هذا التوجه في الوقت الحاضر يقع في صلب السياسة الإيرانية، أو أنه يخدم مصالحها حاليا على غير ما كان عليه الوضع في السابق. إيران تريد من الانفتاح العراقي على محيطه العربي؛ أن يفتح الطريق لها في مد جسور الود والتفاهم والتعاون مع دول الخليج العربي وبالذات مع السعودية. ثامنا، حكومة السوداني بفعل أوضاعها وبفعل شروط واشتراطات تشكيلها عبر الاتفاقات التي تمت بين أطراف وقوى العملية السياسية، وبالذات مع الحزبين الكرديين؛ ستفي مضطرة، بتلك الشروط ولو في الحدود المقبولة. في النهاية أقول، اتمنى على حكومة السوداني الوفاء بما وعدت به الشعب العراقي في ما يخص الإصلاح والخدمات والتنمية، ولا أقصد الوفاء بشروط واشتراطات بينها وبين الأطراف الأخرى للعملية السياسية، فهذا موضوع اخر.
كاتب عراقي