حقوق و حريات

العراق: مشاكل بيئية تتسبب بأمراض خطيرة

‏ يعاني العراق في السنوات الأخيرة من مشاكل بيئية متعددة، تسببت بمشاكل صحية خطيرة لسكانه، نتيجة إهمال الحكومات المتعاقبة. ويحتل العراق المرتبة العاشرة لأكثر 10 دول تلوثاً في العالم، حسب تقديرات، فقد أظهر فحص الجسيمات الصغيرة الضارة المحمولة في الجو والمعروفة باسم الجسيمات المعلقة (بي أم 2.5) بأنها تصل إلى 39.6 ميكروغرام لكل متر مكعب في البلاد. وهذا رقم خطير في وقت توصي فيه منظمة الصحة العالمية بألا يتجاوز متوسط تركيزات هذه الجسيمات، الـ 5 ميكروغرام/متر مكعب، إذ إن المستويات الأعلى من 35.5 ميكروغرام/متر مكعب يمكن أن تتسبب بمشاكل صحية خطيرة، وفق وكالة حماية البيئة الأمريكية.
والعراق، الذي يعد ثاني بلدان العالم بنسبة احتراق الغاز، حسب ممثل البنك الدولي، ريتشارد عبد النور، التلوث البيئي فيه، يرجع إلى عدد كبير من العوامل، أبرزها، حسب مختصين، الغاز المنبعث من السيارات ومحطات تكرير النفط، فضلاً عن محطات إنتاج الطاقة الكهربائية والعواصف الترابية والآثار الملوثة بالإشعاعات النووية، ومخلفات الحروب والألغام الموجودة في الأرض، ومياه الصرف الصحي والنفايات الصحية ونفايات المستشفيات، والفضلات الصناعية، ومخلفات ومواد القطاع الزراعي والفضلات السائلة والصلبة البلدية المختلفة.
إضافة إلى المصادر الأخرى المنتشرة بصورة عشوائية داخل المناطق السكنية كالورش والصناعات الحرفية والأفران والمولدات الكهربائية الفردية والجماعية والنفايات المنزلية.
واتهم مدير عام بيئة الجنوب، وليد الموسوي، المؤسسات الحكومية بالتسبب بـ«90٪ من نسبة الملوثات في العراق»، داعياً إلى «معالجة مخلفات الاستخراجات النفطية».
وقد شهد العراق في السنوات العشر الأخيرة، ولا سيما بعد الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية»، انتشار أمراض وأوبئة كثيرة لم يكن يعرفها العراقيون من قبل، صنَّفها مختصون بأنها من أخطر الأمراض المستعصية والقاتلة، وذلك لما تشكله من تهديد حقيقي على حياة المواطنين.
وأبرز هذه الأمراض، مرض الحمى النزفية والإيدز والسرطان والتشوهات الولادية والطاعون والسل والجدري والجرب والكوليرا، فضلاً عن الأمراض المنتشرة بين الماشية والأغنام، وفق مختصين، أكدوا أن «معظم هذه الأمراض أمراض فتاكة وقاتلة، لكن بشكل بطيء».
وفي مطلع العام الجاري، كشفت منظمة الصحة العالمية، عن ارتفاع أعداد المصابين بمرض السرطان، مؤكدة أنّ «هناك 35 ألف مصاب بالسرطان و57 ٪ منهم نساء».
ويعزو المتخصصون أسباب انتشار مرض السرطان إلى كثرة الحروب التي جرت خلال السنوات الماضية، مع ترك المخلفات الحربية التي حولت التربة والأراضي إلى مستنقع ملوث ينتشر منه العديد من الأمراض.
وأفاد تقرير نشره موقع «نومبيو» الذي يعنى بالمستوى المعيشي لدول العالم، بأن مؤشر التلوث في العراق ما زال عالياً رغم انخفاض مؤشره عن عام 2019، فيما لفت إلى أن جودة الأماكن الخضراء والحدائق منخفضة.
وذكر بأن «مؤشر التلوث في العراق بلغ 73.59٪»، مبيناً أن «نسبة تلوث الهواء في العراق تعتبر عالية وبواقع 66.99 ٪، فيما سجلت نسبة تلوث مياه الشرب وعدم إمكانية الوصول إليها تعتبر متوسطة وبواقع 55.50٪».
وتابع، أن «عدم الرضا لدى المواطن من التخلص من القمامة كانت عالية وبلغت 69.07٪، وأن الضوضاء كانت متوسطة وبواقع 52.06 ٪»، مشيرة إلى أن «تلوث المياه سجل نسبة عالية وبواقع 64.03 ٪».
وأشار الموقع، إلى أن «الهدوء وعدم وجود مشكلة مع الضوضاء في الليل كانت متوسطة وبواقع 47.94 ٪، فيما سجلت الحدائق الخضراء والحدائق في المدينة نسبة منخفضة بلغت 38.14٪».

حلول

الخبير البيئي عبد المطلب محمد عبد الرضا، قدم العديد من الحلول والمقترحات لمعالجة مشكلة التلوث البيئي في العراق، من بينها «وضع رؤية استراتيجية وبرنامج عمل للإدارة المتكاملة للموارد المائية التي تضمن الاستخدام الأمثل والعادل للمياه وتأمين متطلبات التنمية المستدامة في كافة القطاعات المستهلكة للمياه وبخاصة القطاع الزراعي أكبر مستهلك للمياه في العراق».
وأشار إلى أهمية «تشديد الرقابة على مصادر التلوث المائي (مياه الصرف الصحي، مياه المصانع والمستشفيات، المواد النفطية، النفايات البلدية)، والتلوث الهوائي (وسائط النقل، المصانع، المولدات) وتطبيق التشريعات والقوانين بحزم لوقف ومنع هذه الملوثات».
وأكد وجوب «إدامة محطات معالجة مياه المجاري الحالية وإنشاء محطات جديدة لتستجيب للتوسع العمراني وزيادة عدد السكان وضمان معالجة صحيحة ومتكاملة وفقا للتعليمات والتشريعات البيئة والصحية»، لافتاً إلى ضرورة «نصب منظومات ثابتة وأخرى متنقلة لمراقبة نوعية الماء والهواء لغرض رسم صورة متكاملة لمصادر التلوث، مما يساعد على اتخاذ القرارات المستندة إلى مؤشرات وأدلة علمية وواقعية ويساهم في تحسين نوعية المياه وهواء المدن».

وحثّ على «تحديث وصيانة المنشآت والمصافي النفطية ووحداتها العاملة ومراقبة انبعاثاتها الغازية بما يضمن عدم تأثيرها على البيئة والصحة العامة»، مشيراً إلى «الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (الميثان، أول وثاني اوكسيد الكاربون، اكاسيد النتروجين، الهيدروكاربونات المشبعة بالكلور) من خلال تشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة».

كما دعا إلى «تنظيم وضبط عملية إدخال السيارات والمركبات وإجراء الفحوصات الدورية عليها لمنع انبعاث الغازات الضارة من محركاتها وتشجيع النقل الجماعي»، بالإضافة إلى «الاهتمام الجدي بصيانة محطات إنتاج الطاقة الكهربائية وإنشاء محطات جديدة لتلبية جميع الاحتياجات الوطنية لغرض القضاء على ظاهرة المولدات الفردية والجماعية وتحسين جودة الهواء في المناطق الحضرية».
وشدد على «إيجاد نظام فعال لجمع وإدارة ونقل وفرز ومعالجة النفايات والمخلفات البلدية والصحية والتجارية وغيرها، والتشجيع على إعادة الاستخدام والتدوير وتقليل استنزاف الموارد الطبيعية وإنشاء مواقع طمر صحية وفنية»، لافتاً إلى «الاهتمام بتشجير جوانب الطرق والساحات العامة والدوائر والمؤسسات الحكومية والخاصة وزيادة أعداد الحدائق والمتنزهات ونشر ثقافة الوعي البيئي والصحي».

توعية السكان

ومن بين مقترحات الخبير البيئي، لتقليل التلوث في العراق، هي «توعية جميع السكان بحجم وأهمية وجدية الآثار والأمراض التي يحدثها التلوث البيئي لمكوناته الرئيسية (الماء والهواء والتربة) والنتائج المترتبة في المجال الصحي والاقتصادي».
وفي 9 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حذّر تقرير صدر عن البنك الدولي من أن تغير المناخ، لاسيما تفاقم شح المياه، يهدد العقد الاجتماعي في العراق في ظل نموذج للنمو يعتمد بدرجة أساسية على النفط.
كما يشير تقرير المناخ والتنمية الخاص في العراق إلى زيادة انبعاثات الكربون إلى أكثر من الضِعف على مدار العقد الماضي. وسجل العراق واحداً من أعلى معدلات كثافة انبعاثات الكربون (نسبة الانبعاثات إلى إجمالي الناتج المحلي) بالمقارنة مع نظرائه من حيث الدخل من البلدان الأخرى في المنطقة.
وتساهم قطاعات الكهرباء، والنفط والغاز، والنقل في نحو ثلاثة أرباع الانبعاثات في البلاد. ويُمكِن أن يؤدي اتخاذ المسارات الملائمة في خفض انبعاثات الكربون في قطاع الكهرباء إلى مكاسب إضافية كبيرة في مستويات النمو والإنتاجية، حسب التقرير.
ومؤخراً، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، استعدادها مواصلة دعم العراق في مجال التغير المناخي، جاء ذلك خلال بحث وزير البيئة العراقي، نزار ئاميدي، مع سفيره الولايات المتحدة ‏الأمريكية، إلينا رومانوسكي، أطر التعاون المشترك بين البلدين.‏
وأكد ئاميدي، حسب بيان لمكتبه، أول أمس، أن «دور الولايات المتحدة مهم وكبير ‏بدعم العراق في جميع الاصعدة لاسيما الجانب البيئي وتأثيرات التغير ‏المناخي عليه»، داعيا إلى «تعزيز جهودها الدبلوماسية لزيادة كمية ‏الاطلاقات المائية من دول المنبع ومضاعفة التعاون في كافة المجالات ‏البيئية، ومنها ملف التخلص من الإلغام والمقذوفات الحربية».‏
‏أما رومانوسكي، فقد أعربت، عن «رغبه بلادها بدعم الحكومة العراقية في ‏كل القضايا البيئية وتأثير التغيير المناخي، فضلا عن تبادل الخبرات ‏والاهتمام بالمشاريع البيئية ودعم العراق مع المنظمات الدواية في مقدمتها ‏مؤتمر المناخ المقبل الذي سيعقد في دبي للحصول الدعم المطلوب»، على ‏حد البيان.‏
ويعد العراق واحداً من بين البلدان الخمّسة على مستوى العالم، الأكثر تضرراً بالتغيير المناخي.

برنامج خاص

وأعلن وزير الزراعة العراقي، عباس العلياوي، أمس، إطلاق برنامج خاص لمواجهة التغيرات المناخية في العراق، بالتعاون مع منظمة «الفاو» التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وبمنحة سويدية.
وقال، للإعلام الحكومي، إن «مشروع البرنامج الخاص بدعم القطاع الزراعي الذي أطلق من محافظة النجف، يتوقع أن تكون له آثار إيجابية في المحافظات التي شملت في البرنامج، وذلك لإيصال حالة من التكيف لمواجهة التغيرات المناخية من خلال معالجات تساعد على مقاومة هذه التغيرات المناخية».
وأضاف أن «الجميع يعلم بأن نسبة المساحات المزروعة تراجعت بشكل كبير، وفي كل عام تخفض المساحات المزروعة بسبب شح المياه، وبالتالي، إذا استمر هذا الحال سنكون أمام مشكلة كبيرة جداً وتحديات قد تصعب معالجتها».
وأكد أن «المنظمات الدولية ومنظمة الفاو والبنك الدولي شركاء حقيقيون لوضع استراتيجيات وحلول لمشكلة التغير المناخي في العراق، وهذه الشراكة لم تأت من فراغ وإنما من اعتبار العراق من الدول الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية، حيث يحتل المرتبة الخامسة عالمياً في التأثر بالتغيرات المناخية الحاصلة والمستقبلية، والبرنامج المعد الذي نحن بصدده اليوم، هو واحد من هذه البرامج التي ستسهم في تقليل آثار هذه التغيرات».
وأوضح أن «البرنامج يشمل محافظات (ذي قار، ميسان، المثنى والنجف)، والمستهدف فيه التوجه في اتجاه الأراضي الصحراوية وزيادة المساحات المزروعة من خلال تقنيات الري الحديثة»، مردفاً بالقول: «نحن في وزارة الزراعة أكملنا موازنتنا لعام 2023 وطالبنا بزيادة التخصيصات لوسائل وتقنيات الري الحديثة، وستكون هناك اجتماعات دورية مع وزارة الموارد المائية لإيجاد الحلول المناسبة لعملية اﻻستزراع ومواجهة الانخفاض المستمر والمتواصل في الكميات المائية الواصلة إلى العراق، وكان أحد الحلول التوجه نحو التقنيات الحديثة للري».
وتابع: «لكي لا تترك الأراضي الزراعية التي تعتمد على الأنهار، ومن خلال المنحة السويدية، سيكون هناك برنامج باستهداف هذه المناطق التي ستكون أكثر هشاشة وتضرراً في سبيل تقليل الآثار البيئية عليها، لذلك سنعمل مع الحكومات المحلية على إيجاد ثقافة جديدة في اتجاه عملية الزراعة الحديثة والتقنيات الحديثة، لأنه لا حل إﻻ من خلال هذه المشاريع».
وأكمل: «نستذكر قرار مجلس الوزراء الذي أقر الدعم إلى الجهات التي تقوم بالزراعة الحديثة من خلال الرش والتنقيط، أما الزراعة بالطرق التقليدية، فقد صدر قرار من مجلس الوزراء لشمولهم هذا العام بالدعم، لكن نخشى العام المقبل بأن لا نستطيع أن نحصل على هذا الدعم من قبل مجلس الوزراء، كون الوضع المائي في تدهور مستمر وفي نقص واضح».
وأعرب، عن أمله في أن «يسهم البرنامج بخفض هذه المشاكل والتقليل من آثارها من خلال دعم الفلاحين بمنظومات وتقنيات وثقافة جديدة لاستزراع هذه الأراضي، وبالتالي، الحفاظ على الجانب البيئي واﻻقتصادي لهذه القطاعات».