مقالات مختارة

عن الجرائم الموصوفة في حرب غزة 2

يحيى الكبيسي \ القدس العربي

ينظم القانون الدولي الإنساني، القواعد القانونية والاخلاقية التي يجب على الأطراف المتحاربة الالتزام بها، من أجل حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية، وذلك وفقا لمبادئ التمييز والتناسب والتحوط، والتي يشكل انتهاكها جريمة حرب أو جريمة إبادة جماعية.
ويعرف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جريمة الحرب بأنها: الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع، والبروتوكولين الملحقين بها، في صراع ذي طابع غير دولي، كما هو الحال في حرب غزة الحالية، وذلك فيما يتعلق بتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، أو تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبيَّنة في اتفاقيات جنيف، أو تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية، ما داموا يستحقون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب القانون الدولي للمنازعات المسلحة، أو تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، أو قيام دولة قائمة بالاحتلال على نحو مباشر او غير مباشر، بإبعاد أو نقل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل هذه الأرض أو خارجها، أو تعمد تجويع الناس كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الإغاثية.
فيما تُعرّف جريمة الإبادة الجماعية بأنها قتل أفراد جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها بقصد إهلاكها كليا أو جزئيا.
فيما يتعلق بمبدأ التمييز ينص البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف لعام 1977 على ضمان حماية السكان المدنيين والأعيان المدنية التي ليست أهدافا عسكرية من خلال تمييزها عن الأهداف العسكرية. وأن تقتصر الهجمات على الأهداف العسكرية. وهذا المبدأ يقتضي حكما: حظر «الهجمات العشوائية». ويفصل البروتوكول فيما يعده بمثابة هجمات عشوائية، من بين ذلك الهجوم قصفا بالقنابل، أيا كانت الطرق والوسائل، الذي يعالج عددا من الأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتمييز بعضها عن البعض الآخر، والواقعة في مدينة تضم تركزا من المدنيين أو الأعيان المدنية، على أنها هدف عسكري واحد. ويعد البروتوكول شن «هجوم عشوائي يؤثر على السكان المدنيين أو الاعيان المدنية مع العلم بأن هذا الهجوم سيسبب خسائر فادحة في الأرواح» انتهاكا خطيرا للبروتوكول.
أما فيما يتعلق بمبدأ التناسب، فان البروتوكول الأول يحظر الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضراراً بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

أما فيما يتعلق بمبدأ التحوط، فإن البروتوكول الأول يلزم الأطراف المتحاربة بأن تبذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية، من أجل تفادي السكان المدنيين. وأنه يجب على من يخطط للهجوم أن يتحقق من أن الأهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصا مدنيين او أعيانا مدنية ولكنها أهداف عسكرية غير محظور مهاجمتها، وأن يتخذ الاحتياطات المستطاعة من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة بهم أو الإضرار بالأعيان المدنية، وأن يمتنع عن اتخاذ قرار بشن أي هجوم، بل وأن «يلغي أو يعلق أي هجوم» قد يتوقع منه، بصفة عرضية، أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم، او الإضرار بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، مما يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

أما البروتوكول الثاني لاتفاقية جنيف لعام 1977، فيقر يتمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية «عامة» من الاخطار الناجمة عن العمليات العسكرية، وأنه لا يجوز أن يكونوا محلا للهجوم، وتُحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين.
فيما يتعلق بالتجويع ومنع المواد الإغاثية، يحظر البروتوكولان الأول والثاني في اتفاقية جنيف لعام 1977 «تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب». كما يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها، والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث؛ سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر.
كما تلزم اتفاقية جنيف الرابعة، والبروتوكول الأول أن يسمح ويسهل المرور السريع وبدون عرقلة لجميع إرساليات وتجهيزات الأدوية والمهمات الطبية والأغذية الضرورية والمقويات الخاصة بالأطفال دون الخامسة عشرة من العمر والنساء الحوامل أو النفاس، وتضع شروطا للتحقق من ذلك.
إن انتهاك هذه الأحكام، وعدم الالتزام بها، يرتب مسؤولية قانونية، إذ يكون الطرف المنتهك مسؤولا عن كافة الأعمال التي تقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءا من قواته المسلحة، وهو ما يشكل جريمة حرب صريحة. إما إذا ما تم عد مثل هذه الانتهاكات جريمة إبادة جماعية فان اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، قد أتاح محاكمة المتهمين بهكذا جرائم أمام محاكم دولية.
ومن المهم الانتباه إلى أن مثل هذه الجرائم الجسيمة لا تسقط بالتقادم، إذ تقرر الاتفاقية «عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية» لعام 1968 بأنه لا يسري أي تقادم على جرائم الحرب والجرائم الخطيرة الموصوفة في اتفاقية جنيف الرابعة لحماية ضحايا الحرب، والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو زمن السلم، والاحتلال، والجرائم المنافية للإنسانية والناجمة عن الفصل العنصري، وجريمة الإبادة الجماعية، حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالا بالقانون الداخلي للبلد الذي ارتكبت فيه. وأنه تنطبق أحكام هذه الاتفاقية على ممثلي سلطة الدولة وعلى الأفراد الذين يقومون، بوصفهم فاعلين أصليين أو شركاء، بالمساهمة في ارتكاب أية جريمة من تلك الجرائم أو بتحريض الغير تحريضاً مباشراً على ارتكابها، أو الذين يتآمرون لارتكابها، بصرف النظر عن درجة التنفيذ، وعلى ممثلي سلطة الدولة الذين يتسامحون في ارتكابها (المادة 2).
إن أي مراقب محايد، ويمتلك حدا أدنى من الحس الإنساني، لا يمكن له سوى الإقرار بأن إسرائيل قد انتهكت القانون الدولي الانساني بشكل صارخ، وأنها تقوم عن سابق قصد وتصميم، بجرائم حرب، وجرائم ترقى لأن تكون جرائم إبادة جماعية، رغم المحاولات المنهجية المخزية للتغطية عليها.

كاتب عراقي