عناوين الصحف

هآرتس: بين من سيكون وقف إطلاق النار.. حماس وإسرائيل أم إيران والولايات المتحدة

مظاهرة العزاء التي نظمها “حزب الله” لموت عباس رعد، ابن عضو برلمان ”حزب الله” محمد رعد، شملت القصف الأكبر حتى الآن الموجه من “حزب الله” نحو إسرائيل، ولكن الحياة يجب أن تستمر. الخميس، التقى رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي أتى لبنان للمرة الثانية منذ الحرب – لمناقشة تداعيات وقف إطلاق النار على استمرار نشاطات الحزب في الأيام القادمة.
لقد كان حسن نصر الله وإيران في الأسابيع الأخيرة موضوع انتقاد شديد من قبل حماس وتنظيمات فلسطينية أخرى بسبب ما اعتبر “مشاركة أقل من المتوقع” في الحرب. وعملياً، ضعضعت صيغة “وحدة الساحات”، التي اتفقت عليها التنظيمات. جدول القوات والمهمات التي وصفها حسن نصر الله في خطابه، والتي تفصل كل هجمات “حزب الله” ضد إسرائيل، لم تقنع قيادة حماس.
في 6 تشرين الثاني التقى إسماعيل هنية مع القائد الأعلى في إيران للاستيضاح حول التزامها بشكل عام بالمشاركة في الحرب. حسب وكالة “رويترز” أوضح علي خامنئي لهنية بأن “حماس لم تبلغ إيران مسبقاً عن نيتها شن الهجوم، لذلك لن تشارك إيران في الحرب”. وأضاف بأن إيران ستستمر في تأييد حماس “بصورة سياسية ومعنوية، لكن ليس بصورة عسكرية”.
لكن، لم تكن استقلالية قرار حماس وعدم التنسيق مع إيران هو ما أزعج خامنئي؛ فإيران تبنت قراراً سياسياً مبدئياً، وهو ألا تشارك في الحرب بشكل مباشر. مصدر رفيع في إيران، غولام علي حداد عادل، العضو الكبير في مجلس فحص مصالح الأمة والجسم المخول بفحص وتشكيل سياسة إيران وصهر خامنئي، قال: “إن الكيان الصهيوني يريد تحويل الحرب في غزة إلى حرب بين إيران والولايات المتحدة. علينا القول لمن يريدون أن تشارك إيران في الحرب في غزة بأن هذا هو الأمر الذي يطمح إليه الكيان الصهيوني، لأنه إذا ما حدث ذلك، فإسرائيل هي التي سيتم إنقاذها من هذه الحرب”.
عادل لا يعتبر ليبرالياً مؤيداً للغرب، فهو محسوب على الكتلة المحافظة الأصولية، وأقواله تعكس ما تفكر فيه “العائلة”. أيضاً وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي تولى منصبه تحت قيادة روحاني وكان رئيس طاقم المفاوضات حول الاتفاق النووي “الجديد”، قال هذا الأسبوع في مقابلة، إن “دعمنا للمقاومة الفلسطينية لا يشمل المحاربة بجانبها”. هذا ما يتضح، يتجاوز الأحزاب والحركات، رغم سماع أصوات أخرى تطالب بإظهار “تضامن عسكري” مع حماس والنضال الفلسطيني بشكل عام.
سياسة الفصل
لقد مرت عشرة أيام قبل أن ينشر المتحدثون بلسان حماس نفياً جارفاً للتقرير الذي نشر حول محادثة هنية وخامنئي، في حين لم يصدر أي نفي من إيران. من الجدير الانتباه إلى أن خامنئي لم يتطرق إلا لإيران، ولم يتحدث عن مشاركة “حزب الله”؛ لأن إيران منذ بداية الحرب وهي تتبع سياسة علنية تتمثل في الفصل بينها وبين التنظيمات التي هي برعايتها: المليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، أو “حزب الله” نفسه، وبحسبها فإن كل تنظيم في محور المقاومة يتخذ قراراته بنفسه ولا ينسق نشاطاته مع إيران أو يمتثل لأوامرها.

هذه السياسة المريحة لطهران، تمكنها في الحقيقة من الظهور ككيان سياسي يقلق ويريد منع توسيع الحرب في كل المنطقة، لكنها لا تفسر لماذا كان عليها إرسال عبد اللهيان إلى بيروت لتنسيق استمرار مشاركة “حزب الله” في الحرب. أول أمس اقتبست قناة “الجزيرة” مصدراً رفيعاً في “حزب الله” قال: “رغم أن “حزب الله” لم يكن مشاركاً في محادثات وقف إطلاق النار، فإن وقف إطلاق النار في غزة يشمل لبنان أيضاً”.
لا نعرف هذا المصدر الرفيع، وما إذا كان يمثل قراراً تنظيمياً أو توجيهاً إيرانياً، لكن خلافاً لتنظيمات أخرى، فإن الجهات الرفيعة في “حزب الله” لا تنشر بيانات، ولا حتى بيانات مجهولة الهوية، بدون التنسيق مع رئيس الهرم. أقوال هذا المصدر الرفيع غير منفصلة عن أقوال عبد اللهيان، الذي حذر في مقابلة مع قناة “الميادين” في هذا الأسبوع من توسيع ساحة الحرب لتشكل كل المنطقة “إذا لم يستمر وقف إطلاق النار”. هذا ليس تحذيراً جديداً، لكنه يتناول هذه المرة الوضع الملموس الذي يجري فيه وقف إطلاق النار، والذي قد يشكل، حسب رأي إيران، نقطة البداية لعملية دبلوماسية أوسع.
يجب الانتظار ورؤية هل ستؤدي “وحدة الساحات” التي أوجدت شراكة قتالية بين حماس و”حزب الله”، إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”. هذه كما يبدو الرافعة التي تريد إيران استخدامها الآن كي تحقق وقفاً طويل المدى لإطلاق النار لصالح غزة وحماس. وكان هذا أيضاً الهدف من اللقاء بين عبد اللهيان وحسن نصر الله.
بعد زيارته للبنان، سافر عبد اللهيان إلى قطر. وفي مقابلة مع “فايننشال تايمز” في الأسبوع الماضي، اكتشف عبد اللهيان بأن إيران أرسلت إلى الولايات المتحدة خلال الأربعين يوماً من القتال رسائل تفيد بأنها لا تنوي المشاركة في الحرب. يريد عبد اللهيان الآن أن يبحث مع قطر المرحلة القادمة التي يمكن لوقف إطلاق النار فيها أن يدعم وقفاً طويل المدى لإطلاق النار وربما وقف دائم.
تعترف كل من إيران أو الولايات المتحدة بأن اشتعال الجبهة في لبنان وليس القتال في غزة، هو الذي قد يجر المنطقة إلى حرب – حرب تجر إليها إيران والولايات المتحدة بصورة تجعلهما تتصادمان بشكل مباشر. مثل هذه الحرب يمكن أيضاً أن تحطم جزءاً جوهرياً من قدرة “حزب الله” وتلحق بإيران أضراراً استراتيجية كبيرة، وكل ذلك بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس التي لم تعرف عنها إيران، ويبدو أنها لم تقدر تداعياتها.
من ناحية إيران، فإن “حزب الله” ساهم بما لديه، وعليه أن يرجع إلى معادلة الردع التي كانت متبعة قبل الحرب. هذا هو السبب في أن “حزب الله” قد ينضم لوقف إطلاق النار الحالي رغم أنه غير مشارك في الصفقة. وكما يبدو، هو حر في مواصلة القتال ضد إسرائيل.
آلية منسقة
من أجل إطالة وقف إطلاق النار، ستضطر كل من إيران و”حزب الله” وحماس إلى بناء آلية منسقة تجبر إسرائيل على الموافقة على تمديده. وقد يشكل المخطوفون لدى حماس أداة لعب استراتيجية، التي نتائجها مهمة لإيران وشركائها أكثر من السجناء الفلسطينيين أو السكان في غزة. من غير المعروف بدقة كم من المخطوفين الذين على قيد الحياة سيبقون لدى حماس و”الجهاد الإسلامي” بعد الصفقة الحالية. مع ذلك يمكن التقدير بأن حماس سترغب في تنفيذ عدة دفعات أخرى، ربما بحجم أقل، من أجل الحصول على المزيد من الهدن.
لقد أوضحت إسرائيل من قبل بأنها ستكون مستعدة لهدن أخرى من أجل إنقاذ مخطوفين على قيد الحياة، وحماس بحاجة لذلك من أجل الاستعداد لمرحلة القتال القادمة. ولكن قد تجد حماس نفسها عالقة بين مصالحها ومصالح إيران و”حزب الله”. أعلن حسن نصر الله في خطاب له بأنه سيرد على أي هجوم على المدنيين اللبنانيين وعلى أهداف في لبنان، وليس بسبب الهجمات في غزة. وقف إطلاق النار الوشيك إذا ما تحقق وإذا انضم إليه “حزب الله”، ربما يحيد لاحقاً الحاجة إلى مهاجمة إسرائيل.
هكذا تستطيع إيران الحفاظ على استمرار ميزان الردع الذي بين “حزب الله” وإسرائيل بعد أن أرسلت الرسالة المطلوبة لإثبات موثوقية تهديداتها. الأهم هو أن مثل هذه الهدن تعطي المزيد من الوقت لاستخدام الضغوط الدبلوماسية من أجل وقف دائم لإطلاق النار أو العمل على تغيير طبيعة القتال بصورة لا تلزم “حزب الله” بالعودة إلى الحوار العنيف أمام إسرائيل.
إذا كانت هذه هي خطة العمل التي تريد إيران دفعها قدماً، فإنها موجودة في مجتمع مؤيد. إيران بذلك تنضم إلى الموقف العربي الذي اتخذه مؤتمر القمة العربية والإسلامية التي عقدت في الرياض قبل أسبوعين، والتي دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى الموقف الهجومي لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي طلب هذا الأسبوع أن يتم تثبيت وقف فوري لإطلاق النار، ليس لغرض صفقة التبادل فقط. تنفيذ وقف إطلاق نار كهذا هو الآن في بؤرة الجهود الدبلوماسية العربية التي تقودها مصر والسعودية أمام الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، بهدف إقناع الولايات المتحدة أيضاً بالموافقة على قرار ملزم بوقف النار.
روسيا والصين هما الدولتان العظميان الوحيدتان اللتان تؤيدان وقف إطلاق النار غير المتعلق بصفقة التبادل، بل كخطوة سياسية، في حين أن الولايات المتحدة تتمسك باستمرار الحرب ضد حماس. ولكنه موقف سيكون متعلقاً من الآن فصاعداً بالصورة التي ستدير فيها إسرائيل القتال في جنوب غزة، حتى لو كان فيها ما يهدد أمن مصر التي تخشى من هرب جماعي للغزيين إلى أراضيها. في محادثة هاتفية أجراها هذا الأسبوع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تعهد الرئيس الأمريكي بايدن، بعدم السماح بطرد المدنيين من القطاع إلى الأراضي المصرية أو طرد سكان من الضفة الغربية إلى الأردن. ولكنه يدرك أيضاً أن أي عملية إسرائيلية على صيغة القتال الذي كان في شمال القطاع، سيضع تعهده هذا أمام امتحان صعب.
ليس هذا التعهد وحده هو الموجود على المحك؛ فالولايات المتحدة أوضحت، سواء بالتصريحات أو الردود المحسوبة على الهجمات التي تعرضت لها في العراق أو سوريا، بأنها ستبذل كل الجهود لمنع حرب إقليمية توجب أن تكون مشاركة فيها بشكل كامل. هنا يتجسد التقاء مصالح بين طهران وواشنطن، وبينها وبين دول المنطقة، لكن تحققه سيلزم بايدن بتأييد وقف طويل لإطلاق النار. وبذلك الصعود إلى مسار تصادم مع إسرائيل.
تسفي برئيل
هآرتس 24/11/2023